فصل: تفسير الآية رقم (64)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ نُوحٌ‏:‏ ارْكَبُوا فِي الْفُلْكِ، ‏"‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏"‏‏.‏

وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدِ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْخَبَرِ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ فَحَمَلَهُمْ نُوحٌ فِيهَا ‏"‏وَقَالَ‏"‏ لَهُمْ، ‏"‏ ارْكَبُوا فِيهَا‏"‏‏.‏ فَاسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا‏}‏، عَنْ حَمْلِهِ إِيَّاهُمْ فِيهَا، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏)‏، بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا‏.‏ وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ ‏"‏أَجْرَى‏"‏ وَ‏"‏أَرْسَى‏"‏، وَكَانَ فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ الرَّفْعُ بِمَعْنَى‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا فَيَكُونُ ‏"‏الْمَجْرَى‏"‏ وَ ‏"‏المَرْسَى‏"‏ مَرْفُوعَيْنِ حِينَئِذٍ بِالْبَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

وَالْآخَرُ‏:‏ النَّصْبُ، بِمَعْنَى‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ إِجْرَائِهَا وَإِرْسَائِهَا، أَوْ وَقْتَ إِجْرَائِهَا وَإِرْسَائِهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏بِسْمِ اللَّهِ‏)‏، كَلَامًا مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ‏:‏ ‏"‏بِسْمِ اللَّهِ‏"‏، ثُمَّ يَكُونُ ‏"‏الْمَجْرَى‏"‏ وَ ‏"‏المَرْسَى‏"‏ مَنْصُوبَيْنِ عَلَى مَا نَصَبَتِ الْعَرَبُ قَوْلَهُمْ‏:‏ ‏"‏الْحَمْدُ لِلَّهِ سِرَارَكَ وَإِهْلَالَكَ‏"‏، يَعْنُونَ الْهِلَالَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلُ الْهِلَالِ وَآخِرُهُ‏"‏، وَمَسْمُوعٌ مِنْهُمْ أَيْضًا‏:‏ ‏"‏الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا إِهْلَالَكَ إِلَى سِرَارِكَ‏"‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏، بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ ‏"‏مَجْرَاهَا‏"‏، وَضَمِّهَا مِنْ ‏"‏مُرْسَاهَا‏"‏، فَجَعَلُوا ‏"‏مَجْرَاهَا‏"‏ مَصْدَرًا مِنْ ‏"‏جَرَى يَجْرِي مَجْرَى‏"‏، وَ‏"‏مُرْسَاهَا‏"‏ مَنْ ‏"‏أَرْسَى يُرْسِي إِرْسَاءً‏"‏‏.‏

وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ فِي إِعْرَابِهِمَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ، نَحْوَ الَّذِي فِيهِمَا إِذَا قُرِئَا‏:‏ ‏{‏مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏، بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، عَلَى مَا بَيَّنْتُ‏.‏

وَرَوِيَّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا‏}‏، بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَيُصَيِّرُهُمَا نَعْتًا لِلَّهِ‏.‏ وَإِذَا قُرِئَا كَذَلِكَ، كَانَ فِيهِمَا أَيْضًا وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا الْخَفْضُ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَجْهَيِ الْإِعْرَابِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ مُجْرِي الْفُلْكِ وَمُرْسِيهَا ف ‏"‏المُجْرِي‏"‏ نَعْتٌ لِاسْمِ اللَّهِ‏.‏ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ يَحْسُنُ دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي ‏"‏الْمُجْرِي‏"‏ وَ ‏"‏المُرْسِي‏"‏، كَقَوْلِكَ‏:‏ ‏"‏بِسْمِ اللَّهِ الْمُجْرِيهَا وَالْمُرْسِيهَا‏"‏، وَإِذَا حُذِفَتَا نُصِبَتَا عَلَى الْحَالِ، إِذْ كَانَ فِيهِمَا مَعْنَى النَّكِرَةِ، وَإِنْ كَانَا مُضَافَيْنِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا‏}‏، بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا جَمِيعًا، مِنْ ‏"‏جَرَى‏"‏ وَ‏"‏رَسَا‏"‏، كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ فِي حَالِ جَرْيِهَا وَحَالِ رُسُوِّهَا، وَجَعَلَ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ لِلْفُلْكِ، كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ‏:‏

فَصَبَرْتُ نَفْسًا عِنْدَ ذَلِكَ حُرَّةً *** تَرْسُو إِذَا نَفَسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُهَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا‏}‏، بِفَتْحِ الْمِيمِ ‏{‏وَمُرْسَاهَا‏}‏، بِضَمِّ الْمِيمِ، بِمَعْنَى‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ حِينَ تَجْرِي وَحِينَ تُرْسِي‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْفَتْحَ فِي مِيمِ ‏"‏مَجْرَاهَا‏"‏ لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ‏}‏، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ ‏"‏تُجْرَى بِهِمْ‏"‏‏.‏ وَمَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا‏}‏، كَانَ الصَّوَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ أَنْ يَقْرَأَ‏:‏ ‏"‏وَهِيَ تُجْرَى بِهِمْ ‏"‏‏.‏ وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ ‏(‏تَجْرِي‏)‏، بِفَتْحِ التَّاءِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي ‏(‏مَجْرَاهَا‏)‏ فَتْحُ الْمِيمِ‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمَّ فِي ‏(‏مُرْسَاهَا‏)‏، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَى ضَمِّهَا‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏مَجْرَاهَا‏)‏، مُسَيِّرُهَا ‏(‏وَمَرْسَاهَا‏)‏، وَقَفَهَا، مِنْ‏:‏ وَقَفَهَا اللَّهُ وَأَرْسَاهَا‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّي قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ حِينَ يَرْكَبُونَ وَيَجْرُونَ وَيُرْسُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ حِينَ يَرْكَبُونَ وَيَجْرُونَ وَيُرْسُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ حِينَ يَجْرُونَ وَحِينَ يُرْسُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا أَرَادَ أَنْ تُرْسِيَ قَالَ‏:‏ ‏"‏بِسْمِ اللَّهِ ‏"‏فَأَرْسَتْ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ تَجْرِيَ قَالَ ‏"‏بِسْمِ اللَّه‏"‏ فَجَرَتْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبِّي لَسَاتِرِ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ، رَحِيمٌ بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ‏}‏، وَالْفُلْكُ تَجْرِي بِنُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ فِيهَا ‏{‏فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، يَامٌ ‏{‏وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ‏}‏، عَنْهُ، لَمْ يَرْكَبْ مَعَهُ الْفُلْكَ‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا‏}‏، الْفُلْكَ ‏{‏وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ ابْنُ نُوحٍ لَمَّا دَعَاهُ نُوحٌ إِلَى أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ السَّفِينَةَ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الْغَرَقِ‏:‏ ‏{‏سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ سَأَصِيرُ إِلَى جَبَلٍ أَتَحَصَّنُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ، فَيَمْنَعُنِي مِنْهُ أَنْ يُغْرِقَنِي‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَعْصِمُنِي‏)‏ يَمْنَعُنِي، مِثْلَ ‏"‏عِصَامِ الْقِرْبَةِ ‏"‏، الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُهَا، فَيَمْنَعُ الْمَاءَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا مَانِعَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِالْخَلْقِ مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَلَاكِ، إِلَّا مَنْ رَحِمْنَا فَأَنْقَذْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ الَّذِي يَمْنَعُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَيَعْصِمُ‏.‏

ف ‏"‏مَنْ‏"‏ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَا عَاصِمَ يَعْصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ ‏"‏مَنْ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ الْمَعْصُومَ بِخِلَافِ الْعَاصِمِ، وَالْمَرْحُومُ مَعْصُومٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ كَأَنَّ نَصْبَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 157‏]‏، قَالَ‏:‏ وَمَنِ اسْتَجَازَ‏:‏ ‏{‏اتِّبَاعُ الظَّنِّ‏}‏، وَالرَّفْعُ فِي قَوْلِهِ‏:‏

وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ *** إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ

لَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّفْعُ فِي ‏"‏مَنْ‏"‏، لِأَنَّ الَّذِي قَالَ‏:‏ ‏"‏إِلَّا الْيَعَافِيرُ‏"‏، جَعَلَ أَنِيسَ الْبِرِّ، الْيَعَافِيرُ وَمَا أَشْبَهَهَا‏.‏ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ‏}‏، يَقُولُ عِلْمُهُمْ ظَنٌّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَنْتَ لَا يَجُوزُ لَكَ فِي وَجْهٍ أَنْ تَقُولَ‏:‏ ‏"‏الْمَعْصُومُ ‏"‏هُوَ ‏"‏عَاصِم‏"‏ فِي حَالٍ، وَلَكِنْ لَوْ جَعَلْتَ ‏"‏الْعَاصِمَ ‏"‏فِي تَأْوِيل‏"‏ مَعْصُومٍ‏"‏، ‏[‏كَأَنَّكَ قُلْتَ‏]‏‏:‏ ‏"‏ لَا مَعْصُومَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ‏"‏، لِجَازَ رَفْعُ ‏"‏مَنْ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَخْرُجَ ‏"‏الْمَفْعُولُ‏"‏ عَلَى ‏"‏فَاعِلٍ‏"‏، أَلَّا تَرَى قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الطَّارِقِ‏:‏ 6‏]‏، مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏:‏ مَدْفُوقٌ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْحَاقَّةِ‏:‏ 21‏]‏‏,‏ مَعْنَاهَا‏:‏ مَرْضِيَّةٌ‏؟‏ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا *** وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي

وَمَعْنَاهُ‏:‏ الْمَكْسُوُّ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ ‏{‏لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏}‏، عَلَى‏:‏ ‏"‏لَكِنَّ مَنْ رَحِمَ‏"‏، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى‏:‏ لَا ذَا عِصْمَةٍ‏:‏ أَيْ‏:‏ مَعْصُومٌ، وَيَكُونُ ‏{‏إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏}‏، رَفْعًا بَدَلًا مِنْ ‏"‏الْعَاصِمِ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَجَّهُ إِلَى الْأَفْصَحِ الْأَشْهَرِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ، مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ‏.‏

وَلَمْ يَضْطَرُّنَا شَيْءٌ إِلَى أَنْ نَجْعَلَ ‏"‏عَاصِمًا‏"‏ فِي مَعْنَى ‏"‏مَعْصُومٍ‏"‏، وَلَا أَنْ نَجْعَلَ ‏"‏إِلَّا‏"‏ بِمَعْنَى ‏"‏لَكِنْ‏"‏، إِذْ كُنَّا نَجِدُ لِذَلِكَ فِي مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَخْرَجًا صَحِيحًا، وَهُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ قَالَ نُوحٌ‏:‏ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَنَا فَأَنْجَانَا مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏لَا مُنْجِيَ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ ‏"‏ ‏"‏ وَلَا مُطْعِمَ الْيَوْمَ مِنْ طَعَامِ زَيْدٍِ إِلَّا زِيدٌ‏"‏‏.‏ فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَحَالَ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ مَوْجُ الْمَاءِ فَغَرِقَ، فَكَانَ مِمَّنْ أَهْلَكَهُ بِالْغَرَقِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ لِلْأَرْضِ بَعْدَ مَا تَنَاهَى أَمْرُهُ فِي هَلَاكِ قَوْمِ نُوحٍ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ مِنَ الْغَرَقِ‏:‏ ‏{‏يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ‏}‏، أَيْ‏:‏ تَشَرَّبِي‏.‏

مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏بَلِعَ فَلَانٌ كَذَا يَبْلَعُهُ‏"‏، أَوْ بَلَعَهُ يَبْلَعُهُ‏"‏، إِذَا ازْدَرَدَهُ‏.‏

‏{‏وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَقْلِعِي عَنِ الْمَطَرِ، أَمْسِكِي ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ‏}‏، ذَهَبَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَنَشِفَتْهُ، ‏{‏وَقُضِيَ الْأَمْرُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قُضِيَ أَمْرُ اللَّهِ، فَمَضَى بِهَلَاكِ قَوْمِ نُوحٍ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، يَعْنِي الْفُلْكَ ‏"‏اسْتَوَتْ‏"‏‏:‏ أَرْسَتْ ‏"‏عَلَى الْجُودِيِّ‏"‏، وَهُوَ جَبَلٌ، فِيمَا ذُكِرَ، بِنَاحِيَةِ الْمُوصِلِ أَوِ الْجَزِيرَةِ، ‏{‏وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ أَبْعَدَ اللَّهُ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ، فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُحَرَّمِ، فَأَرْسَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ، وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ كَانَتِ السَّفِينَةُ أَعْلَاهَا لِلطَّيْرِ، وَوَسَطَهَا لِلنَّاسِ، وَفِي أَسْفَلِهَا السِّبَاعُ، وَكَانَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، وَدُفِعَتْ مِنْ عَيْنِ وَرْدَةَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْيَمَنَ، ثُمَّ رَجَعَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ‏:‏ مَنْ كَانَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا فَلْيُتِمَ صَوْمُهُ، وَمَنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ‏:‏ ‏[‏مَا‏]‏ كَانَ زَمَنَ نُوحٍ شِبْرٌ مِنَ الْأَرْضِ، إِلَّا إِنْسَانٌ يَدَّعِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا- يَعْنِي الْفُلْكَ- اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِي شَهْرًا، وَأُهْبِطَ بِهِمْ فِي عَشْرٍ ‏[‏خَلَوْنَ‏]‏ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَقُصَ ‏{‏وَقُضِيَ الْأَمْرُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَلَاكُ قَوْمِ نُوحٍ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّي قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏-

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ‏}‏، نَشِفَتْهُ الْأَرْضُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّي قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَمْسِكِي ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ذَهَبَ الْمَاءُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَغِيضَ الْمَاءُ‏}‏، وَالْغُيُوضُ ذَهَابُ الْمَاءِ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ مِنَ الْغَرَقِ، وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ فَلَمْ يَغْرَقْ، فَأُرْسِيَتْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّي قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْغَرَقِ وَتَطَاوَلَتْ، وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ فَلَمْ يَغْرَقْ، وَأُرْسِيَتْ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ عَلَى الْجَبَلِ؛ وَاسْمُهُ ‏"‏الْجُودِي

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، شَمَخَتِ الْجِبَالُ، وَتَوَاضُعَ حِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَرْفَأَ عَلَيْهِ سَفِينَةُ نُوحٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، أَبْقَاهَا اللَّهُ لَنَا بِوَادِي أَرْضِ الْجَزِيرَةِ عِبْرَةً وَآيَةً‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}‏، هُوَ جَبَلٌ بِالْمُوصِلِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نُوحًا بَعَثَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ الزَّيْتُونِ، فَأُعْطِيَتِ الطَّوْقَ الَّذِي فِي عُنُقِهَا، وَخِضَابَ رِجْلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ذَلِكَ يَعْنِي الطُّوفَانَ أَرْسَلَ رِيحًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَسَكَنَ الْمَاءُ، وَاسْتَدَّتْ يَنَابِيعُ الْأَرْضِ الْغَمْرَ الْأَكْبَرَ، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏، فَجُعِلَ الْمَاءُ يَنْقُصُ وَيَغِيضُ وَيُدْبِرُ‏.‏ وَكَانَ اسْتِوَاءُ الْفُلْكِ عَلَى الْجُودِيِّ، فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ، فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، رُئِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ‏.‏ فَلَمَّا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، فَتَحَ نُوحٌ كُوَّةَ الْفُلْكِ الَّتِي صُنِعَ فِيهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ لَهُ مَا فَعَلَ الْمَاءُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ‏.‏ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ لِرِجْلَيْهَا مَوْضِعًا، فَبَسَطَ يَدَهُ لِلْحَمَامَةِ، فَأَخَذَهَا‏.‏ ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا لِتَنْظُرَ لَهُ، فَرَجَعَتْ حِينَ أَمْسَتْ، وَفِي فِيهَا وَرَقُ زَيْتُونَةٍ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ قَلَّ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ‏.‏ ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا فَلَمْ تَرْجِعْ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بَرَزَتْ، فَلَمَّا كَمُلَتِ السَّنَةُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَ نُوحٌ الْحَمَامَةَ، وَدَخْلَ يَوْمٌ وَاحِدٌ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ، بَرَزَ وَجْهُ الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْيَبْسُ، وَكَشَفَ نُوحٌ غِطَاءَ الْفُلْكِ، وَرَأَى وَجْهَ الْأَرْضِ‏.‏ وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْهُ قِيلَ لِنُوحٍ‏:‏ ‏{‏اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ تَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ مَنْ غَرِقَ مِنَ الْوِلْدَانِ مَعَ آبَائِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا الْوِلْدَانُ بِمَنْزِلَةِ الطَّيْرِ وَسَائِرِ مَنْ أَغْرَقَ اللَّهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَكِنْ حَضَرَتْ آجَالُهُمْ فَمَاتُوا لِآجَالِهِمْ، وَالْمُدْرِكُونَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَانَ الْغَرَقَ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ مَصِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ‏:‏ رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَّنِي أَنْ تُنْجِيَنِي مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَلَاكِ وَأَهْلِيَّ، وَقَدْ هَلَكَ ابْنِي، وَابْنِي مِنْ أَهْلِي ‏{‏وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ‏}‏، الَّذِي لَا خَلْفَ لَهُ ‏{‏وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ‏}‏، بِالْحَقِّ، فَاحْكُمْ لِي بِأَنْ تَفِيَ بِمَا وَعَدْتَّنِي، مِنْ أَنْ تُنَجِّيَ لِي أَهْلِي، وَتُرَجِّعَ إِلَيَّ ابْنِي، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِيقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ بِالْحَقِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ يَا نُوحُ إِنَّ الَّذِي غَرَّقْتُهُ فَأَهْلَكْتُهُ الَّذِي تَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ لَيْسَ مِنْ وَلَدِكَ، هُوَ مِنْ غَيْرِكَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حِنْثٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ ابْنُ امْرَأَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فِيهِمْ، ‏[‏عَنْ‏]‏ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ، مَا هُوَ بِابْنِهِ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذِهِ بِلُغَةِ طَيٍّ لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ، كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، وَمَنْصُورٌ، عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ‏.‏ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏"‏، لَعَمْرُ اللَّهِ مَا هُوَ ابْنُهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، وَتَقُولُ‏:‏ لَيْسَ بِابْنِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدَتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ مَعَكَ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ ابْنُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَكْذِبُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ وَاللَّهِ مَا كَانَ ابْنَهُ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏فَخَانَتَاهُمَا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّحْرِيمِ‏:‏ 10‏]‏ قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِفَ‏!‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ تُبَيِّنُ لِنُوحٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَيَّنَ اللَّهُ لِنُوحٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَبُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لَنَجَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ نَرَى أَنَّ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاش» ‏"‏، مِنْ أَجْلِ ابْنِ نُوحٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِابْنِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ ابْنُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هُوَ ابْنُهُ، مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَمَدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ مَعَكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ هُوَ ابْنُهُ‏:‏ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ قَالَ عِكْرِمَةُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ‏}‏، وَالْخِيَانَةُ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ بَابٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، كَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ‏:‏ كَانَ ابْنَهُ، وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَة َ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُسْأَلُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَخَانَتَاهُمَا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّحْرِيمِ‏:‏ 10‏]‏، قَالَ‏:‏ أَمَّا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالزِّنَا، وَلَكِنْ كَانَتْ هَذِهِ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَكَانَتْ هَذِهِ تَدُلُّ، عَلَى الْأَضْيَافِ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ كَانَ ابْنَ نُوحٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَكْذِبُ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ‏:‏ مَا فَجَرَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ الصَّادِقُ، وَهُوَ ابْنُهُ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَة َ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا بِشْرٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، وَلَيْسَ مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ قَالَ يَعْقُوبُ‏:‏ قَالَ هُشَيْمٌ‏:‏ كَانَ عَامَّةً مَا كَانَ يُحَدِّثُنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ‏:‏ أَتَى سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ‏"‏ابْنَ نُوحٍ‏"‏ ابْنُهُ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنْ نَبِيَ اللَّهِ أَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ فَعَصَى، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏{‏يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، لِمَعْصِيَةِ نَبِيِّ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتُكَ ابْنَ نُوحٍ ابْنَهُ‏؟‏ فَسَبَّحَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُحَدِّثُ اللَّهُ مُحَمَّدًا‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏ وَتَقُولُ لَيْسَ مِنْهُ‏؟‏ وَلَكِنْ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَشْهَدُ أَنَّهُ ابْنُهُ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةُ قَالَا‏:‏ هُوَ ابْنُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي فَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْكُوفِيُّ قَالَ، قَالَ بَزِيعٌ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ الضَّحَّاكَ عَنِ ابْنِ نُوحٍ، فَقَالَ‏:‏ أَلَّا تَعْجَبُونَ إِلَى هَذَا الْأَحْمَقِ‏!‏ يَسْأَلُنِي عَنِ ابْنِ نُوحٍ، وَهُوَ ابْنُ نُوحٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ قَالَ نُوحٌ لِابْنِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجَّى مِنْ أَهْلِكَ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ كَانَ عَمَلُهُ فِي شِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ هُوَ وَاللَّهِ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُ، وَكَانَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ مِمَّنْ وَعَدْنَاهُ النَّجَاةَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَ مِنْ أَهْلِكَ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَانَ عَمَلُهُ فِي شِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بِرِقَانَ، عَنْ مَيْمُونٍ، وَثَابِتُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَا هُوَ ابْنُهُ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ لِدِينِكَ مُخَالِفًا، وَبِي كَافِرًا وَكَانَ ابْنَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ‏}‏، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَيَكُونُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ‏.‏ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، مُحْتَمَلًا مِنَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، وَمُحْتَمَلًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، ثُمَّ يُحْذَفُ ‏"‏الدِّينُ‏"‏ فَيُقَالُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ يُوسُفَ‏:‏ 82‏]‏‏.‏

وَأَمًّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، فَإِنَّ الْقَرْأَةَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏ بِتَنْوِينِ ‏"‏عَمَلٍ‏"‏ وَرَفْعِ ‏"‏غَيْرِ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ هَذِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ هَذِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ سُوءٍ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ سُؤَالُكَ عَمَّا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ سُؤَالُكَ إِيَّايَ، عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُكَ فَسَأَلْتَنِي أَنْ أُنْجِيَهُ، عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، أَيْ‏:‏ أَنَّهُ لِغَيْرِ رَشْدَةٍ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏الْهَاءَ‏"‏، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنَّهُ‏"‏ عَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏الِابْنِ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا هُوَ وَاللَّهِ بِابْنِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ‏)‏، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْفِعْلِ الْمَاضِيِ، ‏"‏وَغَيْرُ‏"‏ مَنْصُوبَةٌ‏.‏ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ابْنُ عَبَّاسٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَة َ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ ‏,‏ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ‏)‏‏.‏

وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ مُخَالِفًا فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَلَا نَعْلَمُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، إِلَّا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، غَيْرِ صَحِيحِ السَّنَدِ‏.‏ وَذَلِكَ حَدِيثٌ رُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، فَمَرَّةً يَقُولُ‏:‏ ‏"‏عَنْأُمِّ سَلَمَةَ‏"‏، وَمَرَّةً يَقُولُ‏:‏ ‏"‏عَنْأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ‏"‏، وَلَا نَعْلَمُ أَبَنْتَ يَزِيدٍ ‏[‏يُرِيدُ‏]‏‏؟‏ وَلَا نَعْلَمُ لِشَهْرٍ سَمَاعًا يَصِحُّ عَنْأُمِّ سَلَمَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ رَفْعُ ‏(‏عَمَلٌ‏)‏ بِالتَّنْوِينِ، وَرَفْعُ ‏(‏غَيْرُ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ إِنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ مَا تَسْأَلُنِيهِ فِي ابْنِكَ الْمُخَالِفِ دِينَكَ، الْمَوَالِي أَهْلَ الشِّرْكِ بِي‏,‏ مِنَ النَّجَاةِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَقَدْ مَضَتْ إِجَابَتِي إِيَّاكَ فِي دُعَائِكَ‏:‏ ‏{‏لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏، مَا قَدْ مَضَى مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْكَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَفْعَلَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي الْقَوْلُ بِأَنِّي أَفْعَلُهُ، فِي إِجَابَتِي مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ فِعْلَهُ‏.‏ فَذَلِكَ هُوَ‏"‏ الْعَمَلُ غَيْرُ الصَّالِحِ ‏"‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ نُوحًا أَنْ يَسْأَلَهُ أَسْبَابَ أَفْعَالِهِ الَّتِي قَدْ طُوِيَ عِلْمُهَا عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ‏.‏ يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنِّي يَا نُوحُ قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ سُؤَالِكَ سَبَبَ إِهْلَاكِي ابْنِكَ الَّذِي أَهْلَكْتُهُ، فَلَا تَسْأَلْنِ بَعْدَهَا عَمًّا قَدْ طَوَيْتُ عِلْمُهُ عَنْكَ مِنْ أَسْبَابِ أَفْعَالِي، وَلَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ‏"‏إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏"‏ فِي مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، أَنْ تَبْلُغَ الْجَهَالَةُ بِكَ أَنْ لَا أَفِيَّ لَكَ بِوَعْدٍ وَعَدْتُكَ، حَتَّى تَسْأَلَنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ‏{‏وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ ‏{‏فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِهَا وَنَحْوًا بِكَسْرِهَا إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى ‏"‏الْيَاءِ‏"‏ الَّتِي هِيَ كِنَايَةُ اسْمِ اللَّهِ ‏[‏فِي‏]‏‏:‏ فَلَا تَسْأَلْنِي‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ‏:‏ ‏(‏فَلَا تَسْأَلَنَّ‏)‏، بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى‏:‏ فَلَا تَسْأَلَنَّ يَا نُوحُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، تَخْفِيفُ النُّونِ وَكَسْرُهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْمَلِ بَيْنَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوَذٌ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ إِنَابَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ زَلَّتِهِ، فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي سَأَلَهَا رَبَّهُ فِي ابْنِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوَذٌ بِكَ‏}‏، أَيْ‏:‏ أَسْتَجِيرُ بِكَ أَنْ أَتَكَلَّفَ مَسْأَلَتَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ، مِمَّا قَدِ اسْتَأْثَرْتَ بِعِلْمِهِ، وَطَوَيْتَ عِلْمَهُ عَنْ خَلْقِكَ، فَاغْفِرْ لِي زَلَّتِي فِي مَسْأَلَتَيْ إِيَّاكَ مَا سَأَلْتُكَ فِي ابْنِي، وَإِنْ أَنْتَ لَمَّ تَغْفِرْهَا لِي وَتَرْحَمْنِي فَتُنْقِذُنِي مِنْ غَضَبِكَ ‏{‏أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا وَهَلَكُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَا نُوحُ، اهْبِطْ مِنَ الْفُلْكِ إِلَى الْأَرْضِ

‏{‏بِسَلَامٍ مِنَّا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بِأَمْنٍ مِنَّا أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ إِهْلَاكِنَا ‏{‏وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَبِبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ‏{‏وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَعَلَى قُرُونٍ تَجِيءُ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ مَعَكَ مِنْ وَلَدِكَ‏.‏ فَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ، وَبَارَكَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَأَصْلَابِ آبَائِهِمْ‏.‏ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نُوحًا عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ بِأَهْلِ الشَّقَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ ‏(‏وَأُمَمٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَقُرُونَ وَجَمَاعَةٌ ‏(‏سَنُمَتِّعُهُمْ‏)‏ فِي الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ‏:‏ نَرْزُقُهُمْ فِيهَا مَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغُوا آجَالَهُمْ ‏{‏ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ إِذَا وَرَدُوا عَلَيْنَا عَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ‏:‏ ‏{‏قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ دَخَلَ فِي ذَلِكَ السَّلَامِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ وَالْمَتَاعِ كُلُّ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ‏:‏ ‏{‏قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَفِي الشِّرْكِ كُلُّ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ‏.‏ قَدْ قَضَى الْبَرَكَاتِ لِمَنْ سَبْقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ السَّعَادَةَ ‏{‏وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏، مَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ الشِّقْوَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏، مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مِمَّنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ الشِّقْوَةُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَهْلَكِ الْوَلَدُ يَوْمَ غَرِقَ قَوْمُ نُوحٍ بِذَنْبِّ آبَائِهِمْ، كَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ، وَلَكِنْ جَاءَ أَجْلُهُمْ مَعَ الْغَرَقِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَبَطُوا وَاللَّهُ عَنْهُمْ رَاضٍ، هَبَطُوا بِسَلَامٍ مِنَ اللَّهِ‏.‏ كَانُوا أَهْلَ رَحْمَةِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الدَّهْرِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُمْ نَسْلًا بَعْدَ ذَلِكَ أُمَمًا، مِنْهُمْ مَنْ رَحِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَّبَ‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏، وَذَلِكَ إِنَّمَا افْتَرَقَتِ الْأُمَمُ مِنْ تِلْكَ الْعِصَابَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَسَلَّمَتْ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِيقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ بَرَكَاتٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ لَمْ يُولَدُوا، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ الْبَرَكَاتِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ السَّعَادَةِ ‏{‏وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ‏{‏ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، لَمَّا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الشَّقَاوَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ ‏"‏سُورَةَ هُودٍ ‏"‏، فَأَتَى عَلَى‏:‏ ‏{‏يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ‏}‏، حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ فَأَنْجَى اللَّهُ نُوحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَهَلَكَ الْمُتَمَتِّعُونَ‏!‏ حَتَّى ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ‏:‏ أَنْجَاهُ اللَّهُ وَهَلَكَ الْمُتَمَتِّعُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَعْدَ الرَّحْمَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ قَالَ، سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَكَانَ ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ عَادًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ هُودًا، فَصَدَّقَهُ مُصَدِّقُونَ، وَكَذَّبَهُ مُكَذِّبُونَ، حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏.‏ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ نَجَّى اللَّهُ هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَمَتِّعِينَ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ ثَمُودَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ صَالِحًا، فَصَدَّقَهُ مُصَدِّقُونَ وَكَذَّبَهُ مُكَذِّبُونَ، حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏.‏ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ نَجَّى اللَّهُ صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَمَتِّعِينَ‏.‏ ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْأَنْبِيَاءُ نَبِيًّا نَبِيًّا، عَلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَذِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي أَنْبَأْتُكَ بِهَا مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ وَخَبَرِهِ وَخَبَرِ قَوْمِهِ ‏{‏مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ الَّتِيِ لَمْ تَشْهَدْهَا فَتَعْلَمُهَا ‏{‏نُوحِيهَا إِلَيْكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ نُوحِيهَا إِلَيْكَ نَحْنُ، فَنُعَرِّفُكُهَا ‏{‏مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا‏}‏، الْوَحْيِ الَّذِي نُوحِيهِ إِلَيْكَ، ‏(‏فَاصْبِرْ‏)‏، عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَمَا تَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، كَمَا صَبَرَ نُوحٌ ‏{‏إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَ الْخَيْرَ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، فَأَدَّى فَرَائِضَهُ، وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ، فَهُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا يُؤَمَّلُونَ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَالظُّفْرِ فِي الدُّنْيَا بِالطَّلَبَةِ، كَمَا كَانَتْ عَاقِبَةُ نُوحٍ إِذْ صَبَرَ لِأَمْرِ اللَّهِ، أَنْ نَجَّاهُ مِنَ الْهَلَكَةِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ فِي الْآخِرَةِ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَغَرَّقَ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ فَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعَهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا‏}‏، الْقُرْآنَ، وَمَا كَانَ عَلِمَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ مَا صَنَعَ نُوحٌ وَقَوْمُهُ، لَوْلَا مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَرْسَلْنَا إِلَى قَوْمِ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ‏"‏ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، دُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ‏.‏ ‏{‏مَا لَكُمْ مِنَ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ لَكُمْ مَعْبُودٌ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ عَلَيْكُمْ غَيْرَهُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا أَنْتُمْ فِي إِشْرَاْكِكُمْ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ إِلَّا أَهْلَ فِرْيَةٍ مُكَذِّبُونَ، تَخْتَلِقُونَ الْبَاطِلَ، لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ سِوَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَخَلْعِ الْأَوْثَانِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهَا، جَزَاءً وَثَوَابًا ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ ثَوَابِي وَجَزَائِي عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَدُعَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ، إِلَّا عَلَى الَّذِي خَلَقَنِي ‏(‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ ابْتَغِي بِدِعَايَتِكُمْ إِلَى اللَّهِ غَيْرَ النَّصِيحَةِ لَكُمْ، وَطَلَبُ الْحَظِّ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَالْتَمَسْتُ مِنْكُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضِ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، وَطَلَبْتُ مِنْكُمُ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ‏؟‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي‏}‏، أَيْ خَلَقَنِي

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ آمِنُوا بِهِ حَتَّى يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏.‏

وَالِاسْتِغْفَارُ‏:‏ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ هُودًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، كَمَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ نُوحٍ‏:‏ 3‏:‏ 4‏]‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ سَالِفِ ذُنُوبِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ ‏{‏يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّكُمْ إِنْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَتُبْتُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ بِهِ، أَرْسَلَ قَطْرَ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ يَدُرُّ لَكُمُ الْغَيْثَ فِي وَقْتِ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهِ، وَتَحَيَا بِلَادُكُمْ مِنَ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مِدْرَارًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ يُدِرُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَطْرًا وَمَطَرًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ‏}‏، فَإِنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ شِدَّةٌ إِلَى شِدَّتِكُمْ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ جُعِلَ لَهُمْ قُوَّةٌ، فَلَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوهُ زَادَهُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهِمْ‏.‏ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّهُ قَدْ كَانَ انْقَطَعَ النَّسْلُ عَنْهُمْ سِنِينَ، فَقَالَ هُودٌ لَهُمْ‏:‏ إِنْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ أَحْيَا اللَّهُ بِلَادَكُمْ وَرَزَقَكُمُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْقُوَّةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُدْبِرُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ‏(‏مُجْرِمِينَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ كَافِرِينَ بِاللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتِنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ قَوْمُ هُودٍ لِهُودٍ، يَا هُودُ مَا أَتَيْتَنَا بِبَيَانٍ وَلَا بِرِهَانٍ عَلَى مَا تَقُولُ، فَنُسْلِمُ لَكَ، وَنُقِرُّ بِأَنَّكَ صَادِقٌ فِيمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا، يَعْنِي‏:‏ لِقَوْلِكَ‏:‏ أَوْ مِنْ أَجْلِ قَوْلِكَ‏.‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَالُوا‏:‏ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمَا تَدَّعِي مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا بِمُصَدِّقِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏54- 55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ عَنْ قَوْلِ قَوْمِ هُودٍ‏:‏ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ، إِذْ نَصَحَ لَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِهِ، وَخَلْعِ الْأَوْثَانِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهَا‏:‏ لَا نَتْرُكُ عِبَادَةَ آلِهَتِنَا، وَمَا نَقُولُ إِلَّا أَنَّ الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذَمِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهَا، أَنَّهُ أَصَابَكَ مِنْهَا خَبَلٌ مِنْ جُنُونٌ‏.‏ فَقَالَ هُودٌ لَهُمْ‏:‏ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى نَفْسِي وَأُشْهِدُكُمْ أَيْضًا ‏,‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمْ مِنْ دُونِهِ ‏{‏فَكِيدُونِي جَمِيعًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَاحْتَالُوا أَنْتُمْ جَمِيعًا وَآلِهَتِكُمْ فِي ضَرِّيِ وَمَكْرُوهِي ‏{‏ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ لَا تُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ، فَانْظُرُوا هَلْ تَنَالُونَنِي أَنْتُمْ وَهُمْ بِمَا زَعَمْتُمْ أَنَّ آلِهَتَكُمْ نَالَتْنِي بِهِ مِنَ السُّوءِ‏؟‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَصَابَتْكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَصَابَكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عِيسَى، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَبَبْتَ آلِهَتَنَا وَعِبْتَهَا، فَأَجَنَّتْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، أَصَابَكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ، يَعْنُونَ الْأَوْثَانَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَصَابَكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ تَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ تُصِيبُكَ آلِهَتُنَا بِالْجُنُونِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَمِّ آلِهَتِنَا، إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَكَ مِنْهَا سُوءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّمَا تَصْنَعُ هَذَا بِآلِهَتِنَا أَنَّهَا أَصَابَتْكَ بِسُوءٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ أَصَابَتْكَ آلِهَتُنَا بِشَرٍّ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، يَقُولُونَ‏:‏ نَخْشَى أَنْ يُصِيبَكَ مِنْ آلِهَتِنَا سُوءٌ، وَلَا نُحِبُّ أَنْ تَعْتَرِيَكَ، يَقُولُونَ‏:‏ يُصِيبُكَ مِنْهَا سُوءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏، يَقُولُونَ‏:‏ اخْتَلَطَ عَقْلُكَ فَأَصَابَكَ هَذَا مِمَّا صَنَعَتْ بِكَ آلِهَتُنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اعْتَرَاكَ‏}‏، ‏"‏افْتَعَلَ‏"‏، مِنْ ‏"‏عَرَانِي الشَّيْءُ يَعْرُونِي‏"‏‏:‏، إِذَا أَصَابَكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

مِنَ الْقَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِرَاءٌ وَمَأْثَمُ ***

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِنِّي عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِكِي وَمَالِكُكُمْ، وَالْقَيِّمُ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، تَوَكَّلَتُ مِنْ أَنْ تُصِيبُونِي، أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ مِنَ الْخَلْقِ بِسُوءٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَدُبُّ عَلَى الْأَرْضِ، إِلَّا وَاللَّهُ مَالِكُهُ، وَهُوَ فِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ‏.‏ ذَلِيلٌ لَهُ خَاضِعٌ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قَيْلُ‏:‏ ‏{‏هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا‏}‏، فَخَصَّ بِالْأَخْذِ ‏"‏النَّاصِيَةَ ‏"‏ دُونَ سَائِرِ أَمَاكِنِ الْجَسَدِ‏.‏

قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ فِي وَصْفِهَا مَنْ وَصَفَتْهُ بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ، فَتَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا نَاصِيَةُ فُلَانٍ إِلَّا بِيَدِ فُلَانٍ‏"‏، أَيْ‏:‏ أَنَّهُ لَهُ مُطِيعٌ يَصْرِفُهُ كَيْفَ شَاءَ‏.‏ وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا الْأَسِيرَ فَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ عَلَيْهِ، جَزُّوا نَاصِيَتَهُ، لِيَعْتَدُّوا بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَخْرًا عِنْدَ الْمُفَاخَرَةِ‏.‏ فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا يَعْرِفُونَ فِي كَلَامِهِمْ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبِّي عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْ خَلْقِهِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ بِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏، الْحَقَّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ أَدْبَرُوا مُعْرِضِينَ عَمَّا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ‏{‏فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ‏}‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ ‏{‏مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ‏}‏، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ‏{‏وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ‏}‏، يُهْلِكُكُمْ رَبِّي، ثُمَّ يَسْتَبْدِلُ رَبِّي مِنْكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ، يُوَحِّدُونَهُ وَيُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ ‏{‏وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَقْدِرُونَ لَهُ عَلَى ضُرٍّ إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكَكُمْ أَوْ أَهْلَكَكُمْ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ لَا يَضُرُّهُ هَلَاكُكُمْ إِذَا أَهْلَكَكُمْ، لَا تَنْقُصُونَهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كُنْتُمْ أَوْ لَمْ تَكُونُوا‏.‏

‏{‏إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبِّي عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ذُو حِفْظٍ وَعِلْمٍ‏.‏

يَقُولُ‏:‏ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَمَّا جَاءَ قَوْمَ هُودٍ عَذَابُنَا، نَجَّيْنَا مِنْهُ هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ مَعَهُ ‏{‏بِرَحْمَةٍ مِّنَّا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ بِفَضْلٍ مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَنِعْمَةٍ ‏{‏وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ نَجَّيْنَاهُمْ أَيْضًا مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا نَجَّيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ السَّخْطَةِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا بِعَادٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْلَلْنَا بِهِمْ نِقْمَتَنَا وَعَذَابَنَا، عَادٌ، جَحَدُوا بِأَدِلَّةِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ، وَعَصَوَا رُسُلَهُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ‏{‏وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ كُلَّ مُسْتَكْبِرٍ عَلَى اللَّهِ، حَائِدٌ عَنِ الْحَقِّ، لَا يُذْعِنُ لَهُ وَلَا يَقْبَلُهُ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏عَنَدَ عَنِ الْحَقِّ، فَهُوَ يَعْنِدُ عُنُودًا‏"‏، وَ ‏"‏الرَّجُلُ عَانَدَ وَعَنُودٌ ‏"‏‏.‏ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْعِرْقِ الَّذِي يَنْفَجِرُ فَلَا يَرْقَأُ‏:‏ ‏"‏عِرْقٌ عَانِدٌ‏"‏‏:‏ أَيْ ضَارٌ،

وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ‏:‏

إِنِّي كَبِيرٌ لَا أَطِيقُ الْعُنَّدَا ***

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ‏}‏، الْمُشْرِكُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأُتْبِعَ عَادٌ قَوْمُ هُودٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَضَبًا مِنَ اللَّهِ وَسَخْطَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِثْلَهَا، لَعْنَةً إِلَى اللَّعْنَةِ الَّتِي سَلَفَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ‏{‏أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ ‏"‏كَفَرَ فَلَانٌ رَبَّهُ وَكَفَرَ بِرَبِّهِ‏"‏، ‏"‏وَشَكَرْتُ لَكَ، وَشَكَرْتُكَ‏"‏‏.‏

وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى‏:‏ ‏{‏كَفَرُوا رَبَّهُمْ‏}‏، كَفَرُوا نِعْمَةَ رَبِّهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ يَا قَوْمِ، اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ، فَمَا لَكَمَ مِنْ إِلَهِ غَيْرُهُ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تَجُوزُ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ ‏{‏هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هُوَ ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏.‏

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنَ الْأَرْضِ، فَخَرَجَ الْخِطَابُ لَهُمْ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلَهُ بِمَنْ هُمْ مِنْهُ‏.‏

‏{‏وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَجَعَلَكُمْ عُمَّارًا فِيهَا، فَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ‏:‏ أَسْكَنَكُمْ فِيهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ‏.‏

مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏أَعْمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا دَارَهُ‏"‏، وَ‏"‏هِيَ لَهُ عُمْرَى‏"‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِيقَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَعْمَرَكُمْ فِيهَا

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَعْمَرَكُمْ

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَاسْتَغْفِرُوهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اعْمَلُوا عَمَلًا يَكُونُ سَبَبًا لِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَاتِّبَاعُ رَسُولِهِ صَالِحٍ ‏{‏ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ اتْرُكُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَكْرَهُهُ رَبُّكُمْ، إِلَى مَا يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ ‏{‏إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مِمَّنْ أَخْلَصَ لَهُ الْعِبَادَةَ وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي التَّوْبَةِ، مُجِيبٌ لَهُ إِذَا دَعَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَتْ ثَمُودٌ لِصَالِحٍ نَبِيِّهِمْ‏:‏ ‏{‏يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا‏}‏، أَيْ كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ فِينَا سَيِّدًا قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ لَنَا، مِنْ أَنَّهُ مَالَنَا مِنْ إِلَهٍ غَيْرُ اللَّهِ ‏{‏أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْآلِهَةَ الَّتِي كَانَتْ آبَاؤُنَا تَعْبُدُهَا ‏{‏وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ‏}‏، يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صِحَّةً مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْأُلُوهَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لَهُ خَالِصًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مُرِيبٍ‏)‏، أَيْ يُوجِبُ التُّهْمَةَ، مِنْ ‏"‏أَرَبْتُهُ فَأَنَا أُرِيبُهُ إِرَابَةً‏"‏، إِذَا فَعَلْتُ بِهِ فِعْلًا يُوجِبُ لَهُ الرِّيبَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ‏:‏

كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ *** يَشَمُّ عِطْفِي وَيَبُزُّ ثَوْبِي

كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيْبِ ***

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُ عَلَى بُرْهَانٍ وَبَيَانٍ مِنَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَهُ وَأَيْقَنْتَهُ ‏{‏وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَآتَانِي مِنْهُ النُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ وَالْإِسْلَامَ

‏{‏فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنِّي عِقَابَهُ إِذَا عَاقَبَنِي إِنْ أَنَا عَصَيْتُهُ، فَيُخَلِّصُنِي مِنْهُ ‏{‏فَمَا تَزِيدُونَنِي‏}‏، بِعُذْرِكُمُ الَّذِي تَعْتَذِرُونَ بِهِ، مِنْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، ‏{‏غَيْرَ تَخْسِيرٍ‏}‏، لَكُمْ يَخْسَرُكُمْ حُظُوظُكُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَاُ شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا تَزْدَادُونَ أَنْتُمْ إِلَّا خَسَارًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ، إِذْ قَالُوا لَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ‏}‏، وَسَأَلُوهُ الْآيَةَ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ حُجَّةٌ وَعَلَامَةٌ، وَدَلَالَةٌ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ ‏{‏فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ‏}‏، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ رِزْقُهَا وَلَا مَئُونَهَا ‏{‏وَلَا تَمَسُّوهَا بَسُوءٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَقْتُلُوهَا وَلَا تَنَالُوهَا بِعَقْرٍ ‏{‏فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّكُمْ إِنْ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ يَأْخُذُكُمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ بَعِيدٍ فَيُهْلِكُكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَعَقَرَتْ ثَمُودٌ نَاقَةَ اللَّهِ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ، اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، وَهُوَ‏:‏ ‏"‏فَكَذَّبُوهُ‏"‏ ‏"‏فَعَقَرُوهَا‏"‏ فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ‏:‏ ‏{‏تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اسْتَمْتِعُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا بِحَيَاتِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ‏{‏ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَذَا الْأَجَلُ الَّذِي أَجَّلَتْكُمْ، وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ، وَعَدَكُمْ بِانْقِضَائِهِ الْهَلَاكَ وَنُزُولِ الْعَذَابِ بِكُمْ ‏{‏غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ يُكْذِبْكُمْ فِيهِ مَنْ أَعْلَمَكُمْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ صَالِحًا حِينَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ أَتَاهُمْ لَبِسُوا الْأَنْطَاعَ وَالْأَكْسِيَةَ، وَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ إِنَّ آيَةً ذَلِكَ أَنْ تَصْفَرَّ أَلْوَانُكُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ تَحْمَرَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ تَسْوَدَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ‏.‏ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُمْ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ نَدِمُوا، وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏عَلَيْكُمُ الْفَصِيلَ ‏"‏‏؟‏ فَصَعِدَ الْفَصِيلُ الْقَارَةَ- وَ ‏"‏القَارَّةُ‏"‏ الْجَبَلُ- حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ‏:‏ ‏"‏يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي ‏"‏، ثَلَاثًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأُرْسِلَتِ الصَّيْحَةُ عِنْدَ ذَلِكَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ لَوْ صَعِدْتُمُ الْقَارَةَ لَرَأَيْتُمْ عِظَامَ الْفَصِيلِ‏.‏ وَكَانَتْ مَنَازِلُ ثَمُودَ بِحِجْرٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَقِيَّةُ آجَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَوْ صَعِدْتُمْ عَلَى الْقَارَةِ لَرَأَيْتُمْ عِظَامَ الْفَصِيلِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا جَاءَ ثَمُودَ عَذَابُنَا ‏"‏نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ بِنِعْمَةٍ وَفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ ‏{‏وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ هَوَانِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَذُلِّهِ بِذَلِكَ الْعَذَابِ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ‏}‏، فِي بَطْشِهِ إِذَا بَطَشَ بِشَيْءٍ أَهْلَكَهُ، كَمَا أَهْلَكَ ثَمُودَ حِينَ بَطَشَ بِهَا ‏"‏الْعَزِيزُ‏"‏، فَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، بَلْ يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ وَيَقْهَرُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَجَّاهُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، وَنَجَّاهُ مِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ‏:‏ قُلْنَا لَهُ‏:‏ حَدِّثْنَا حَدِيثَ ثَمُودَ‏.‏ قَالَ‏:‏ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمُودَ‏:‏ كَانَتْ ثَمُودُ قَوْمَ صَالِحٍ، أَعْمَرَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا فَأَطَالَ أَعْمَارَهُمْ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدَهُمْ يَبْنِي الْمَسْكَنَ مِنَ الْمَدَرِ، فَيَنْهَدِمُ، وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ حَيٌّ‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، اتَّخَذُوا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ، فَنَحَتُوهَا وَجَابُوهَا وَجَوَّفُوهَا‏.‏ وَكَانُوا فِي سِعَةٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا صَالِحُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا آيَةً نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَدَعَا صَالِحٌ رَبَّهُ، فَأَخْرَجَ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَ شِرْبُهَا يَوْمًا، وَشِرْبُهُمْ يَوْمًا مَعْلُومًا‏.‏ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شُرْبِهَا خَلَّوْا عَنْهَا وَعَنِ الْمَاءِ وَحَلَبُوهَا لَبَنًا، مَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ شُرْبِهِمْ صَرَفُوهَا عَنِ الْمَاءِ، فَلَمْ تَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ‏.‏ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ‏:‏ إِنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ‏!‏ فَقَالَ لَهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ إِلَّا تَعْقِرُوهَا أَنْتُمْ، يُوشِكُ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ ‏[‏يَعْقِرُهَا‏]‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَا عَلَامَةُ ذَلِكَ الْمَوْلُودِ‏؟‏ فَوَاللَّهِ لَا نَجِدْهُ إِلَّا قَتَلْنَاهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُ غُلَامٌ أَشْقَرٌ أَزْرَقٌ أَصْهَبٌ، أَحْمَرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخَانِ عَزِيزَانِ مَنِيعَانِ، لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ يَرْغَبُ بِهِ عَنِ الْمَنَاكِحِ، وَلِلْآخَرِ ابْنَةٌ لَا يَجِدُ لَهَا كُفُؤًا، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا مَجْلِسٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ‏:‏ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا أَجِدُ لَهُ كُفُؤًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّ ابْنَتِي كُفُؤٌ لَهُ، وَأَنَا أُزَوِّجُكَ‏.‏‏.‏ فَزَوَّجَهُ، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ الْمَوْلُودُ‏.‏ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا يَعْقِرُهَا مَوْلُودٌ فِيكُمْ‏"‏، اخْتَارُوا ثَمَانِيَ نِسْوَةٍ قَوَابِلَ مِنَ الْقَرْيَةِ، وَجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرَطًا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِذَا وَجَدُوا الْمَرْأَةَ تَمْخَضُ، نَظَرُوا مَا وَلَدُهَا إِنْ كَانَ غُلَامًا قَلَّبْنَهُ فَنَظَرْنَ مَا هُوَ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً أَعْرَضْنَ عَنْهَا‏.‏ فَلَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْمَوْلُودَ صَرَخَ النِّسْوَةُ وَقُلْنَ‏:‏ ‏"‏هَذَا الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَالِحٌ ‏"‏، فَأَرَادَ الشُّرَطُ أَنْ يَأْخُذُوهُ، فَحَالَ جَدَّاهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَقَالَا لَوْ أَنَّ صَالِحًا أَرَادَ هَذَا قَتَلْنَاهُ‏!‏ فَكَانَ شَرَّ مَوْلُودٍ، وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ‏.‏ فَاجْتَمَعَ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَصْلُحُونَ، وَفِيهِمُ الشَّيْخَانِ، فَقَالُوا‏:‏ ‏"‏اسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا هَذَا الْغُلَامَ ‏"‏ لِمَنْزِلَتِهِ وَشَرَفِ جَدَّيْهِ، فَكَانُوا تِسْعَةً‏.‏ وَكَانَ صَالِحٌ لَا يَنَامُ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، كَانَ فِي مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ‏:‏ ‏"‏مَسْجِدُ صَالِحٍ‏"‏، فِيهِ يَبِيتُ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ، وَإِذَا أَمْسَى خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَبَاتَ فِيهِ‏"‏‏.‏

قَالَ حَجَّاجٌ‏:‏ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ لَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ‏:‏ ‏"‏إِنَّهُ سَيُولَدُ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ‏"‏، قَالُوا‏:‏ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ آمُرُكُمْ بِقَتْلِهِمْ‏!‏ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا وَاحِدًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْلُودُ، قَالُوا‏:‏ لَوْ كُنَّا لَمْ نَقْتُلْ أَوْلَادَنَا، لَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا مِثْلَ هَذَا، هَذَا عَمَلُ صَالِحٍ‏!‏ فَأْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، وَقَالُوا‏:‏ نَخْرُجُ مُسَافِرِينَ وَالنَّاسُ يُرُونَنَا عَلَانِيَةً، ثُمَّ نَرْجِعُ مِنْ لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا، فَنَرْصُدُهُ عِنْدَ مُصَلَّاهُ فَنَقْتُلُهُ، فَلَا يَحْسَبُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّا مُسَافِرُونَ، كَمَا نَحْنُ‏!‏ فَأَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا تَحْتَ صَخْرَةٍ يَرْصُدُونَهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةَ فَرَضَخَتُهُمْ، فَأَصْبَحُوا رَضْخًا‏.‏ فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَإِذَا هُمْ رَضْخٌ، فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ فِي الْقَرْيَةِ‏:‏ أَيْ عِبَادُ اللَّهِ، أَمَا رَضِيَ صَالِحٌ أَنْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ‏؟‏ ‏!‏ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَى قَتْلِ النَّاقَةِ أَجْمَعُونَ، وَأَحْجَمُوا عَنْهَا إِلَّا ذَلِكَ الِابْنَ الْعَاشِرَ‏.‏

ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ وَأَرَادُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِصَالِحٍ، فَمَشَوْا حَتَّى أَتَوْا عَلَى سَرَبٍ عَلَى طَرِيقِ صَالِحٍ، فَاخْتَبَأَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ، وَقَالُوا‏:‏ إِذَا خَرَجَ عَلَيْنَا قَتَلْنَاهُ وَأَتَيْنَا أَهْلَهُ، فَبَيَّتْنَاهُمْ‏!‏ فَأَمَرَ اللَّهِ الْأَرْضَ فَاسْتَوَتْ عَنْهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَاجْتَمَعُوا وَمَشَوْا إِلَى النَّاقَةِ وَهِيَ عَلَى حَوْضِهَا قَائِمَةً، فَقَالَ الشَّقِيُّ لِأَحَدِهِمْ‏:‏ ائْتِهَا فَاعْقِرْهَا‏!‏ فَأَتَاهَا، فَتَعَاظَمَهُ ذَلِكَ، فَأَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعْثَ آخَرَ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ‏.‏ فَجَعَلَ لَا يَبْعَثُ رَجُلًا إِلَّا تَعَاظَمَهُ أَمْرُهَا، حَتَّى مَشَوْا إِلَيْهَا، وَتَطَاوَلَ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْهَا، فَوَقَعَتْ تَرْكُضُ، وَأَتَى رَجُلٌ مِنْهُمْ صَالِحًا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عُقِرَتْ ‏"‏‏!‏ فَأَقْبَلَ، وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ‏:‏ ‏"‏يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّمَا عَقَرَهَا فَلَانٌ، إِنَّهُ لَا ذَنْبَ لَنَا‏"‏‏!‏ قَالَ‏:‏ فَانْظُرُوا هَلْ تُدْرِكُونَ فَصِيلَهَا‏؟‏، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ‏!‏ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، وَلَمَّا رَأَى الْفَصِيلُ أُمَّهُ تَضْطَرِبُ، أَتَى جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ‏"‏الْقَارَةُ‏"‏ قَصِيرًا، فَصَعِدَ وَذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْجَبَلِ، فَطَالَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا تَنَالُهُ الطَّيْرُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَدَخَلَ صَالِحٌ الْقَرْيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صَالِحًا فَرَغَا رَغْوَةً، ثُمَّ رَغَا أُخْرَى، ثُمَّ رَغَا أُخْرَى، فَقَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ‏:‏ لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجْلُ يَوْمٍ، ‏{‏تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏، أَلَا إِنَّ آيَةَ الْعَذَابِ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ تُصْبِحُ وُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسْوَدَّةً‏!‏ فَلَمَّا أَصْبَحُوا فَإِذَا وُجُوهُهُمْ كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ‏.‏ فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ‏:‏ ‏"‏أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الْأَجَلِ، وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ ‏"‏‏!‏ فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ‏.‏ الثَّانِي إِذَا وُجُوهُهُمْ مُحَمَّرَةٌ، كَأَنَّهَا خُضِبَتْ بِالدِّمَاءِ، فَصَاحُوا وَضَجُّوا وَبَكَوْا وَعَرَفُوا آيَةَ الْعَذَابِ، فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ‏:‏ ‏"‏أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الْأَجَلِ وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ ‏"‏‏!‏ فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَإِذَا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ، فَصَاحُوا جَمِيعًا‏:‏ ‏"‏أَلَّا قَدْ حَضَرَكُمُ الْعَذَابُ‏"‏‏!‏ فَتُكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا، وَكَانَ حَنُوطَهُمُ الصَّبْرُ وَالْمَقَرُّ، وَكَانَتْ أَكْفَانَهُمُ الْأَنْطَاعُ، ثُمَّ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ، فَجَعَلُوا يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّةً وَإِلَى الْأَرْضِ مَرَّةً، فَلَا يَدْرُونَ مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ، جَشَعًا وَفَرَقًا‏.‏ فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الرَّابِعَ أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ، وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ حُدِّثْتُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، أَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، مَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَبُو رِغَالٍ‏.‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ، لِأَصْحَابِهِ‏:‏ لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْقَرْيَةَ، وَلَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ‏.‏ وَأَرَاهُمْ مُرْتَقَى الْفَصِيلِ حِينَ ارْتَقَى فِي الْقَارَةِ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ قَالَ‏:‏ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى عَلَى الْحِجْرِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَلَا تَسْأَلُوا رَسُولَكُمُ الْآيَاتِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا رَسُولَهُمُ الْآيَةَ، فَبَعَثَ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَتَشَرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وُرُودِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِوَادِي ثَمُودَ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى تَبُوكَ قَالَ‏:‏ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسْرِعُوا السَّيْرَ، وَأَنْ لَا يَنَْزِلُوا بِهِ، وَلَا يَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ وَادٍ مَلْعُونٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ كَانَ يُعْطِي الْمُعْسِرَ مِنْهُمْ مَا يَتَكَفَّنُونَ بِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَلْحَدُ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ، لِمِيعَادِ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ الَّذِي وَعَدَهُمْ‏.‏ وَحَدَّثَ مَنْ رَآهُمْ بِالطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ، فِيهِمْ شُبَّانٌ وَشُيُوخٌ، أَبْقَاهُمث اللَّهُ عِبْرَةً وَآيَةً‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْأَشْجَعِيُّ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ، قَالَ‏:‏ «لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َغَزَاةَ تَبُوكَ، نَزَلَ الْحِجْرَ فَقَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا نَبِيَّكُمُ الْآيَاتِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً، فَبَعْثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ آيَةً، فَكَانَتْ تَلِجُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ ‏[‏وُرُودِهَا مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ، وَيَوْمَ وِرْدِهِمْ كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ مِنْهُ‏]‏، ثُمَّ يَحْلِبُونَهَا مِثْلَ مَا كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ مِنْ مَائِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَبَنًا، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْفَجِّ‏.‏ فَعَتَوَا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَعَقَرُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَمَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَبُو رِغَالٍ»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏67- 68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَصَابَ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْلُهُ مِنْ عَقْرِ نَاقَةِ اللَّهِ وَكُفْرِهِمْ بِهِ ‏{‏الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ‏}‏، قَدْ جَثَّمَتْهُمُ الْمَنَايَا، وَتَرَكَتْهُمْ خُمُودًا بِأَفْنَيَتِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَصْبَحُوا قَدْ هَلَكُوا‏.‏

‏{‏كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَأَنَّ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا، وَلَمْ يَعْمُرُوا بِهَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا‏}‏، كَأَنَّ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَجَحَدُوهَا ‏{‏أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَلَا أَبْعَدَ اللَّهُ ثَمُودَ ‏!‏ لِنُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ‏.‏